هل أحببت الظلام يوماً؟
أسود .. ذلك هو اللون الذي يرمز إلى العتمة و الظلام.
أعمى .. تلك هي الصفة التي ترمز إلى من لا يرى إلا سواد.
من منّا يستطيع أن يصرح بحبه للون الأسود إلا في وجود البياض؟
و من منّا تروق له العتمة و الظلام إن لم يؤمن بوجود النور بعدها؟
الظلام يحرمنا من التفاصيل و يجردنا من رؤية بواعث أمننا الخارجية، لكنه ليس دائماً شبح سئ و مصدر خوف و ريبة.
نحن بحاجة إلى الظلام بقدر حاجتنا للنور و ربما أكثر في بعض الأحيان.
نحتاج إلى الظلام لنتفقد مصادر النور غير التقليدية التي عميت بصيرتنا و بصائرنا عن وجودها.
نحتاجه لنعطل أبصارنا و نختبر شعور الخوف و الرهبة و القلق بصدق و نسكنهم بمصادر جهلنا بوجودها دواخلنا.
نحتاجه لنتعلم كيف نعيد تلمس و اكتشاف الملامح التي أفقدنا النور تأمل تفاصيلها.
و نحتاجه لنستريح لمدة من تفاصيل كل الأشياء المرهقة و الممتعة من حولنا.
نحتاجه لنفقد الإتصال بكل ما حولنا عنوة، و نتواصل مع حقيقة نورنا و ظلامنا.
نحتاجه لنعيد ترميم الأجزاء المهملة دواخلنا دون حكم مسبق عليها في وجود الضياء المشتت.
نحتاجه لنلهث باحثين عما سلمنا بوجوده و امتلاكه للأبد.
نحتاجه لنهدأ من ضجيج حواسنا.
نحتاجه لتسكن أرواحنا.
أطبق على جفونك و أغمض عيناك لبرهة و تفقد بصر قلبك و اختبر الظلام مخيراً لا مجبراً، و تذوق تفاصيله و عظمة وجوده في حياتك وحاجتك الشديدة له و إن كنت تهابه أو تكرهه، و أسأل عن حدة بصر بصيرتك في ظل عماك الاختياري.
و عند حد الاكتفاء أو الضجر .. افتح عيناك بفضول مبصر يقطع حديث الظلام بإبصاره للنور و مشاهدته لتفاصيل كل ما حوله بدهشة!
و كن بعدها ممتناً للظلام الذي أراحك و أيقظك ..