في ليلة شتوية لا يُرى فيها من الألوان سوى الأسود و الأبيض، و كأنهما لونان إلتقيا على قارعة طريق ثلجي يشاركهما القمر فقط لا غيره بنوره لعله يبقي لحيادهما معنى و وضوح.
تخدرت تلك الليلة أطراف أصابعي بفعل البرد و إذ بي استشعر وجودهم بكل دهشة، كانت كأنها المرة الأولى التي أعي فيها أنني أحمل أجزاء بعيدة جداً عني لا أشعر بها تلقائيًا و لكنها مني.
أحيا الألم المصاحب لبرودة أطرافي احساسي بكياني لأجدني أسأل نفسي متى كانت المرة الأخيرة التي علمت فيها بوجود كثيراً من أجزاء جسدي و التي لا أشعر بها إلا إذا اشتكت ألماً ؟ وجدت أن الإحساس يصاحب الألم دائماً و يرافقه و لا أعلم أيهما يسبق الآخر في القدوم أو الرحيل لكنهما وفيان لبعضهما البعض.
و تذكرت مقولة نيتشه (ليس في الألم ما يؤلم) فلربما نحن نشعر فنتألم ، و نتألم لنشعر.
يا ترى ما هو مقدار الألم الذي يحتاجه كل واحد منّا لكي تفيق حواسه؟ و أين تكمن المواطن الأصلية لذلك الألم بداخلنا؟ و لماذا هو ذات الألم نستجيب له تارة و نتجاهله تارة آخرى. قد نقيم له محفل، و يمضي الزمان و قد ندفنه أو نزهقه ونقيم له ميتم.
و ماذا عن الآلام التي لا تستطيع تحديد منشأها و كأنها تسافر داخل أجسادنا بسرعة الريح و توقظ منه ما شأت متى شأت. هي تقبع داخلنا حتى يقال أنها تعيش لياليها مغامرة متخفية تحت أضوء أقمار آلامنا.
و كم عدد المرات التي علينا أن نوقظ و نفزع إحساسنا لعل ألم آخر يفيق بداخلنا و نعي أهمية ما نملك و ماهي مكانته.
و بأي وحدة تقاس تلك الآلام التي لا يلتقطها أي جزء خارجي من أطرافنا؟
Comments